من قبائل الجهاد « قبيلة المغاربة كما تحدث عنها : اتيليو تروتسي »
لم تكن كل تقديراتنا سليمة ففي نفوس المغاربة الذين اعتادوا منذ أحقاب على القتال
والصراع في الصحراء تكمن النية في المقاومة العنيدة لزحفنا أو على الأقل
الاستعداد للأحداث الجديدة التي لا تستسلم لها دون مقاومة ' 1
تعتبر قبيلة ' المغاربة ' إحدى أهم وأكبر قبائل الجهاد .. أشاد بها وبشجاعة رجالها البواسل أغلب قادة إيطاليا الذين أرخو لفترة المقاومة الوطنية التي امتدت لأكثر من عشرين عاما .. والحديث عنها وعن جهادها بالذات يطول ويتشعب .. والمرء مرغم منذ البداية على أن يختصره بالقدر الذي تتسع له هذه الزاوية المحدودة .. من هنا سأكتفي بالإشارة البسيطة إلى ما ذكره بحقها أحد قادة إيطاليا ومؤرخيها .. ممن أعجبوا بها وببسالة رجالها وقوة إرادتهم وهم يواجهون القوات الإيطالية .. بشجاعة نادرة ويمنعونها من بسط سيطرتها على المناطق التي يتواجدون عليها .. حتى في السنوات الأخيرة من الجهاد : ' وهكذا اتضحت حتى في النهاية .. في الشهر الأخير من عام : 1929 الضرورات التالية : 1. فصل قضية المغاربة عن قضية الواحات .
وهـا هـو والي برقة : ' اتيليو تروتسي ' يروي لنا بنفسه حكايته مع قبيلة المغاربة .. التي تحدث عنها في مواضع عدة من كتابه ( برقـة الخضراء ) وخصص لها الفصل السابع بكاملـه تحت عنـوان : إخضاع المغاربة .
والمطالع لكتابه هذا .. لا يسعه إلا أن ينحني إجلال وإكبارا لهذه القبيلة المجاهدة تقديرا لدورها الكبير الذي لعبته أثناء فترة جهادنا البطولي .. هذا الدور الذي أرغم ' تروتسي ' على أن يقول عنها في أواخر سني الجهاد : ' حقا إن المغاربة يمثلون في القطاع الواقع بين اجدابيا والعقيلة ومرادة وجالو أكثر المخاطر إثارة للقلق وأكثر القوى جدارة بالاعتبار .. وتعتبر قبيلتهم أشد قبيلة محاربة في برقة .. ويقال إنهم في تبرمهم بالخضوع بسبب البداوة الفارطة كان من الصعب في كل زمن وفي أي حكم جرهم إلى الطاعة ' ..ص: 201
المجاهدون يملون شروطهم
كانت الحكومة الإيطالية تفضل التهدئة السلمية على المواجهة العسكرية .. كانت كثيرا ما تعرض على زعماء هذه القبيلة .. المبادرة تلو الأخرى تجنبا منها للخيار المسلح .. لكن شروط أولئك الرجال الأفذاذ كانت أكبر مما يحتمل ساسة إيطاليا المستبدون المتغطرسون .
فبعد فشل كل محاولاتها العسكرية ..اضطرت الحكومة الإيطالية إلى إرسال المبعوثين لفتح باب التفاوض مع زعماء هذه القبيلة .. لا لإخضاعها بالكامل بل من أجل إعادة ربط الصلات التجارية على أقل تقدير .. لأنهم وكمــا يقــول :
' لقد تعمدت الإفاضة ، عن الإعداد لهذا الجهد الموجه لقبيلة المغاربة .. تحت الاسم العــام ( مفاوضات ) التي يرفضها الكثيرون رفضا مسبقا وينظرون إليها على أنها إجراء خطير ومضر بالهيبة والكرامة الوطنية '................................................. ص: 145
وتطرق أيضا إلى الحديث ، عن الاتجاه العام الذي تسلكه هذه القبيلة ، وشيخها الكبير صالح الأطيوش .. ردا على محاولة السلطات الإيطالية المتكررة ، للنيل من كرامتها والحد من حريتها .. وأشار بالخصوص إلى أن ممثليها كانوا ' قد سلموا عريضة صيغت فيها مطالبهم واقتراحاتهم بطريقة متعالية وتشف عن التطاول والوقاحة إن لم تكن دليلا واضحا على الجهالة المتعجرفة ' ......................... ص: 158
والآن .. يحسن بنا أن نطالع شروط تلك الوثيقة التي تحدث عنها ' تروتسي ' وقال بأنها أغضبت السلطات الإيطالية .. لما تضمنته بنود متعالية وغير مقبولة .. لم يتردد زعماء الجهاد في إملائها على الإيطاليين بكرامة وشرف ودونما تخاذل أو تهاون :
هذه هي الشروط التي أغضبت سلطات الاحتلال .. أغضبتهم لأنها أولا : تعكس القوة المعنوية والعسكرية التي يمثلها الخصم .. ولأنها ثانيا : تمثل حالة الضعف التي يعاني منها المحتل .. إلى الحد الذي أرغمت فيه إلى طلب الصلح والمهادنة حتى في أواخر سني الجهاد .
وإذا علمنا بأن هذه الوثيقة التي عرض من خلالها زعماء الجهاد شروطهم بتعالي وتعجرف كما يقول .. كانت قد قدمت خلال الاجتماع الذي عقد بتاريخ : ( 11 / 07 / 1927 ف ) .. أدركنا مدى خيبة الأمل التي منيت بها إيطاليا بعد صراع مضني وطويل لم تتمكن خلاله من إخضاع هذه المنطقة التي يطالب زعماؤها بإخطارهم مسبقا عن كل قادم إليها من المناطق المحتلة كشرط أول لبدء مفاوضات السلام معهم .
الخوف من المواجهة
لم تكن الحكومة الإيطالية ترغب في مواجهة هذه القبيلة مواجهة مسلحة .. كانت دائما تفضل الجنوح إلى الحل السلمي .. ومن أجل ذلك قدمت العديد من المشاريع السلمية بغية إخضاعها وتهدئتها لتشتيت قواها والقضاء عليها .. وفي هذا يقول المؤلف : ' إن الرغبة في مواجهة قبيلة المغاربة مواجهة مسلحة دون إغفال أية وسيلة سياسية تصلح لتهدئتها .. أو على الأقل تفتيت وتشتيت تشكيلاتها المعادية لنا .. سيؤدي في النهاية إلى إنقاص المجهود الحربي الذي سيكون حتما في أوانه المناسب ' ............................................ص: 142
ويعترف بخطورة المأزق الذي كانت تعانية السلطات الإيطالية .. حيث تواجه حربا جهادية يقودها عمر المختار في الشرق .. وأخرى يقودها صالح الأطيوش زعيم هذه القبيلة في الغرب :
' لم يكن يتوفر لدي في الجبل .. وضع هادئ مطمئن يسمح لي باقتطاع – لمدة غير محددة - نسبة عالية من القوات العاملة فيه والتي هي نفسها بعد عام من العمليات المضنية القاسية غير صالحة للتغلب على الثوار ' .....................................ص: 204
وربمــا كان سبب هذا الخوف ، المترسب في نفوسهم حيال مواجهة هذه القبيلة .. يرجع في أساسه - كما يقــول - إلى عدم قدرتهم على مواجهة رجال هذه القبيلة تارة .. وعدم ملاءمة الظروف ، لتلك المواجهة تارة أخــرى : ' يظل لدى قبيلة المغاربة الاقتناع بأنه .. لن يكون في مقدور القوات الإيطالية مطلقا التغلب على أدوارهم المعروفة بأنها لا تهزم ' ....................................ص: 136
التفكير في المواجهة
وإنه لشرف عظيم لنا ولهذه القبيلة بالذات .. أن يعترف أحد ولاة المستعمرين بأن حكومته كانت ولا تزال في أواخر سني الجهاد .. تفكر وترغب في مهادنة هذه القبيلة التي ما برحت تقاتلهم على مساحات شاسعة .. من خلال أرض شبه صحراوية منبسطة ومكشوفة .. تجعل من السهل على طيران العدو مهمة اكتشاف تشكيلاتها المسلحة واقتناص مقاتليها من الجو قبل مواجهتهم على الأرض .. رغم ذلك كله .. بقيت هذه القبيلة تقض مضاجع المستعمرين وحائلا كما يقول ' تروتسي ' دون توحيد المستعمرتين برقة وطرابلس : ' مواجهة قبيلة المغاربة بقصد تحقيق الوحدة الساحلية بين المستعمرتين '................................................. ......ص: 201
ومن أجل تحقيق هذا الهدف .. الذي حالت هذه القبيلة دون تحقيقه لسنوات طوال .. يذكر المؤلف أن وزارة الحرب الإيطالية وضعت في اعتبارها وتقديرها منذ سنة ( 1925 ) أمكانية الوصول إلى تحقيق الوحدة الساحلية بين الولايتين الليبيتين ، وصاغت من أجل ذلك خطة عمل تضمنت تقديرا صحيحا لمشكلة الجبل الأخضــر .. وذلك بـتأكيد السيادة الإيطالية ، على الجبل والتهدئة الكاملة لسكانـه .. ومـن ثــم التفــرغ التــام : ' لمواجهة مشكلة المغاربة ' أو كما يقول في موضع آخـر ' حل مشكلة المغاربة '
وذكــر إلى أن إمكانية القيام بمشروع منسق من العمليات ، في المستعمرتين قد أعيد درسهــا من قبل الوزير ' فدرزوني ' دراسة عملية بأكثر مما تم في الماضي .. وأنه تم تحديد الطلب الجديد للدراسة الشاملة .
ولم يكن خطر هذه القبيلة ، يطال المستعمرين في أراضيها التي تمتد من سرت غربا إلى اجدابيا شرقا وحسب .. بل في أماكن أخرى .. وقد أشار في مواضع عدة إلى هجمات المجاهدين المتكررة على الحدود الشرقية لولاية طرابلس .. وهو هنا يذكر امتداد خطرهم إلى الجنوب أيضا فيقول : ' الهدف المراد بلوغه يتكون تقريبا من المواقع النافعة الموجودة على خط عرض ( 29 ) أي سلسلة واحات الجفرة وزلة ومرادة وأوجلة وجالو .. ولكن القفز نحو الجنوب سيؤدي حتما إلى الاصطدام بالمغاربة ' .............................ص: 203
أهداف المواجهة
تماما كما كانت إيطاليا وحتى أواخر سني الجهاد .. عاجزة عن بسط سيطرتها على كامل الجبل الأخضر .. الذي كان مسرحا لعمليات عمر المختار ورفاقه .. كانت أيضا عاجزة عن بسط سيطرتها على الأراضي التي تحت سيطرت صالح الأطيوش ورفاقه من أبناء هذه القبيلة .. وأدركنا أيضا كم كان النصر قريبا .. قريبا جدا .. فقط لو تضافرت كل جهود المخلصين من أبناء الوطن .. لتحقيق هذه الغاية التي لم تكن بعيدة المنال .
وتأكيدا على ذلك .. بتطرق ' تروتسي ' إلى ذكر الأهداف المراد تحقيقها من خلال تلك العمليات التي خطط لها بدقة متناهية .. حيث لخصها في التالي :
ويشير كذلك إلى ما تم بحثه مع وزير المستعمرات بشأن عمليات ما يسمى بخط عرض ( 29 ) :
' لقد بحثت عمليات خط عرض ( 29 ) أكثر من مرة مع الوزير .. وقد تمت على أسس جديدة من الإيضاحات .. صياغة المشروع المؤرخ في : 18 .06 .1927 .. وهو المشروع الذي أكد على حل مشكلة المغاربة أولا .. ثم التقدم بعد ذلك في احتلال الواحات .. وذلك أنه ليس مما يتفق مع الواقع القبول بإمكانية استبعاد المغاربة .. أو عزلهم باحتلال مراده وجالوا وهي أماكن تبعد 200 ك .. عن موطن الإقامة العادية لقبيلة محاربة تتوفر على كامل الفعالية ' ........................ص: 204
ويكرر لمرات ومرات ذكر الهدف ذاته .. والمتمثل في توحيد المستعمرتين ( برقه وطرابلس ) هذا الهدف الذي حالت هذه القبيلة دون تحقيقه لسنوات طوال : ' كان العزم على مواجهة مشكلة المغاربة بقصد تحقيق الوحدة الساحلية بين المستعمرتين وقد تضمنه برنامج عمل قامت الوزارة بإبلاغه إلى حكومة برقة منذ : 09. 12. 1925 .. ولكن لاعتبارات متعددة تأجل تنفيذ هذه الخطة حتى نهاية الشهر العاشر من سنة : 1926 .. حيث أصدرت الحكومة الأمر بإعداد مشروع عمليات عسكرية لاحتلال مناطق خليج سرت من الساحل حتى خط واحات : سوكنة / زلة / مرادة / أوجله / جالوا / بقصد حل مشكلة المغاربة .. ويمكن أن يؤخذ من ذلك العرض .. أن الوزارة كانت تعتقد بإمكانية حل مشكلة المغاربة عن طريق التطويق العسكري الذي ستواجهه القبيلة نفسها نتيجة للعمليات العسكرية التي تنطلق من العقيلة وتؤدي فيما بعد إلى احتلال مرادة و أوجلة وجالو و جخرة ، وكان ذلك في رأيي خطأ كبيرا .. لاحظته على الفور في المشروع الأول بتاريخ : 30 .12 . 1926 ، قائلا : إن التغلب على المغاربة واحتلال الواحات ، قضيتان منفصلتان متميزتان بصفة تامة .. وإذا كان ثمة علاقة بينهما ، فهي ماثلة في واقع أن حل المشكلة الأولى ، يساعد على حل الثانية ' ................................ص: 201
الإعداد للمواجهة
واستعدادا لهذه المواجهة التي كانوا يحسبون لها ألف حساب .. يتطرق المؤلف إلى ذكر ما دار في اجتماع روما الأول الذي جمع واليي طرابلس وبرقة مع وزير المستعمرات .. وذلك لحل هذه المعضلة التي أرقتهم طويلا : ' وقد أدى اجتماع الوزير بالواليين ( والي طرابلس ووالي برقة ) الذي عقد في روما في : 30.10 .1927 إلى توضيح أكثر لوجهات النظر الخاصة بكل الأطراف المعنية وفوق كل شئ تحديد الأسس الرئيسية وحدود التعاون بين قوات برقة وطرابلس .. وقد ظل محددا آنذاك أن تقوم جيوش المستعمرتين في المرحلة الأولى بالعمل ضد قبيلة المغاربة ... وفي المرحلة التالية إلى احتلال الواحات .. حيث تخرج في المرحلة الأولى حشود من القوات الموجودة ببرقة بالتعاون مع حشود من القوات الموجودة بطرابلس بهدف مهاجمة قبيلة المغاربة ' ........................... ص: 205
ولا حاجة إلى لفت نظر القارئ هنا .. إلى أهمية هذا الاجتماع المشترك الذي حرص المستعمرون على عقده في روما بالذات .. لدراسة الخطط والعمليات العسكرية وتنسق الجهود .. للعمل ضد قبيلة واحده من قبائلنا المجاهدة .. وخلال الاجتماع الثاني الذي عقد في روما أيضا يفصح المؤلف أكثر عن تلك الخطط والجهود الحربية التي تم دراستها في الاجتماع الأول فيقول :
' في المرحلة الأولى تخرج حشود القوات الموجودة ببرقة بالتعاون مع حشود من القوات الموجودة بطرابلس الغرب بهدف مهاجمة قبيلة المغاربة ... ووضع في التقدير إمكانية أن تتجه قوات برقة من العقيلة نحو مرادة في الوقت نفسه الذي يتم فيه زحف قوات طرابلس الغرب رأسا من النوفلية نحو زلة وهو تنسيق نظري في المصاحبة بين سير القوتين بالنظر إلى متوسط المسافة الواقعة بين الطريقين وهي تزيد تنفيذها ' ........... ص: 205-206
وفي موضع آخر من كتابه يشير إلى أن هذا الموضع قد درس مجددا في نهاية عام : 1926 : ' إن إمكانيـة القيام بتنفيذ مشروع منسق من العمليات في المستعمرتين قد أعيد درسها من قبل الوزير ( فدرزونـي ) دراسة عملية بأكثر مما تم في الماضى .. وقـد تحدد في هذا الطلب الجديد للدراسة الشاملة .. أن الهدف المراد بلوغه، يتكون تقريبا من المواقع النافعة ، الموجودة على خـط عرض ( 29 ) أى سلسلة الواحــات : ( الجفرة / زلة / مرادة / أوجلة / جالو ) .. وذكر أيضا في تلك الدراسة أن القفز نحو الجنوب سيؤدي حتما إلى الاصطدام بالمغاربة '........................ص: 203
توقيت المواجهة
عقد الاجتماع الثاني في روما كما أشرنا .. وحدد المجتمعون فيه تاريخ بدء العمليات الحربية ضد المغاربة .. بل حددوا أيضا وبدقة متناهية .. موعد انطلاق قوات الواليتين لحسم هذا الصراع المرير لصالحهم :
' وفي الشهر ألأخير من عام ( 1927 ) ، عقد في روما اجتماع ثان لدى وزارة المستعمرات ، تحدد فيه بصفة نهائية برنامج العمليات المقبلة ، وكان لا بد للأفكار التي عرضتها من أن تتعرض للتلاؤم الضروري، ولكنها لم تتغير في جوهرها بشكل محسوس .. وقد لخصت نتائج هذا الاجتماع بوضوح ، في رسالة موجهة من الوزير إلى قائد الجيش وإلى الولاة في المستعمرتين .. وتحدد تواريخ الشروع في العملية بيوم : 27 / 12/ 1927 موعد انطلاق قوات برقة .. و يوم : 20 / /01 / 1928 ، موعد انطلاق قوات طرابلس الغــرب '................................................. ...ص: 210
ويعرج المؤلف بعد ذلك إلى الخطة المحكمة التي أعدتها الحكومة الإيطالية بولاياتها الثلاث .. للقضاء على هذا الخطر الذي تمثله هذه القبيلة ورجالها .. ولا تستثني الخطة بطبيعة الحال حتى نجوع السكان المسالمين :
' وقـد تقــرر أن تبدأ العمليات بمنطقة سـرت ، في يوم : 27 .12 .1927 من جانب قوات برقة .. ويـوم : 02. 01. 1928 من جانب قوات طرابلس الغرب .. وقد تم إعداد مسبق بحيث يتم التنفيذ المنظم للخطة .. بينما كانت قوات الفصيلة الثانية من المهاري بقيادة الملازم ( توريللي ) قد تحركت من مقرها بالجغبوب ووصلت إلى واحة جخرة شمال جالو حيث باغتت أحد النجوع وأسرت أربعة مسلحين '............................................ص: 185
أسلحة المواجهة
ولم يكن المستعمر يعتمد في خطته هذه التي يهدف من ورائها إلى إخضاع أراد هذه القبيلة المجاهدة .. لم يكن يعتمد فقط على توحيد قوات الولايتين وحسب .. بل أيضا إلى استخدام أحث وأخطر الوسائل الحربية :
' إن الأمر يتصل بفكرة رائعة وجميلة .. من أساليب الفن العسكري ولعلها جديدة في مجال العمل الاستعماري ، ويتوقف نجاحها على التنسيق المناسب للوسائل الحربية الحديثة ، أي على الطيران للقيام بنهمة الربط وعلى الراديو لنقل التعليمات ، وعلى العربات للتحول السريع .. مع توفر عامل التفوق في المصفحات والمدفعية المحملة على العربات ، التي لن يكون في وسع البدو بلوغها ، بسبب قوة نيرانها ' ......................ص: 211
ويظل هاجس الخوف من هذه القبيلة .. يلعب بعقول وقلوب ساسة المستعمرين .. فلم يكتفوا بحشد قوات الولايات الثلاث وحسب .. بل يحرصون أيضا على حشد كل ما لديهم من معدات حربية لا يملكها الخصم .. كالطيران والدبابات والمدافع وغيرها .
لكن .. ألا تتساءل معي .. لماذا يحشد العدو كل هذه القوات وكل هذا العتاد المتطور.. لمواجهة أفراد قبيلة بدوية .. يقاتلونهم على ظهور الدواب بسلاح بسيط .. ؟ لقد أجاب المؤلف نفسه عن هذا التساؤل إن كان قد دار بخلدك : ' لقد قيل .. أو طاف بالفكر أن العمل العسكري بالمقارنة إلى الفاعلية الضئيلة للثوار كان أغلى نفقات مما كان ينبغي وهذه الملاحظة كما هو واضح هي ثمرة الجهل بمعنى الحرب في مستعمرة وبصفة خاصة ضد المسلمين الذين يضيف إليهم الدين مقاومة أخلاقية معنوية لا تقل بحال عن المقاومة البدنية المتمرسة بكل قوة الحياة البدوية في بلدان محرومة من كافة المصادر' ..........ص:311
أماكن المواجهة
لقد ضلت هذه المنطقة الممتدة من اجدابيا وحتى سرت شمالا وواحات جالو وأوجلة ومرادة وتازربو جنوبا .. تحت سيطر قبيلة المغاربة والقبائل المتحالفة معها .. وقد باءت كل محاولات الإيطاليين إلى فشل ذريع .. وأصبحت هذه القبيلة مشكلة ملحة يبحثون لها عن حل : ' حل مشكلة قبيلة المغاربة أو إخضاعها النهائي ' كما يقول ' تروتسي ' .
وفي الوقت الذي يؤكد فيه على عجز قواته عن حل هذه مشكلة هذه القبيلة الثائرة .. يقول بأنه قد عرض فكرته بشأن ' إمكانية أن نجعل من إجدابيا مركز نشاط عسكري في مواجهة قبيلة المغاربة حتى نجد الفرصة لكي نمارس عليهم فيما بعد عملية سياسية أوسع وأكمل '
..................ص: 77
ومن خلال المشروع المشار إليه المؤرخ في : 30 . 12 . 1926 .. كانت الحكومة الإيطالية – حسبما يقول تروتسي - قد حددت أهدافها في التالي :
' لحل قضية المغاربة لا بد من مواجهتهم مباشرة في الأراضي التي يقيمون فيها بصفة عادية – منطقة الوادي الفارغ – وذلك لهز تشكيلاتهم والعمل على إبادتها فورا .. ثم وبصفة تدريجية هز الفعالية المعنوية والمادية وفقا لسياسة حكيمة تجري في الموقع وتقوم على الاجتذاب وتساندها بطريقة فعالة العمليات العسكرية التالية ' ..............ص: 203
ولكي ندرك حجم الخسائر التي تكبدتها إيطاليا في غزوها لبلادنا .. يتوجب علينا أن نعيد إلى الذاكرة محاولاتها من السيطرة على مناطق شاسعة تحت سيطرة المغاربة رغم محاولاتها المتكررة ورغم مضي أكثر من خمسة عشرا عاما على غزوها للبلاد .. استمع اليه وهو يحدثنا عن مأزقهم العسكرى عام 1929 :
' إن العمليات المنطلقة من العقيلة بهدف واحد هو تحقيق مكاسب ترابية في مرادة وأوجلة وجالو ستترك الجانب الأكبر من المغاربة في أمن وبالتالي في مستوى من الفاعلية الكاملة في منطقة الوادي الفارغ .. الأمر الذي من شأنه أن يشكل على الدوام تهديدا خطيرا لنا .. وهو تهديد سنجد أنفسنا مضطرين إلى مواجهته فيما بعـد في ظروف أقل ملاءمة بسبب التوزيع المحتوم لقواتنـا على طول خط مرحلة العقيلة / مرادة / جالو ( 370 ك ) .. فلا يعود بوسعنا أن نقاتل : 1500 مسلح - على أقل تقدير - من المغاربة ، إلا بقوة قليلة منهكة من الزحف الطويل والمتاعب الحتمية ' ................................ص: 203
ذكريات مؤلمة
وهو في النهاية يتذكر بألم وحسرة .. ما كان عليه الوضع في تلك الفترة المتأخرة من الجهاد الوطني سنة : 1926 ، ويعترف أن قوى التمرد كانت خلالها عديدة ومنظمة .. وأن الأهالي كانوا لا يعترفون بسطوة الحكومة الإيطالية ولا بسلطتها.. ويعترف أيضا بأن عدم تمكنهم من بسط سيطرتهم على تلك المنطقة حال دون توحيد الولايتين :
' وإني لأنظر اليوم ورائي فاسترجع ما كان عليه الوضع في برقة سنة : 1926 .. كانت ما تزال بعيدة تلك اللحظة التي يعترف فيها الأهالي بسطوة الدولة الغالبة وهيبتها .. كما كانت قوى التمرد عديدة ومنظمة .. وكان الاتصال الترابي بين برقة وطرابلس مقطوع .. ووسائل الاتصال بين شرقي برقة وغربها مقطوعة أو معطلة بسبب امتناع المرور عبر وادي الكوف .. كما كان السكان الخاضعون للحكومة في حالة قلق وتواطؤ مع المنشقين .. كما أن سلطة الزعماء الدينية والسياسية والعسكرية ذات شأن واعتبار .. أما الأعمال العمرانية فكانت طفلة يسكنها الحياء والحزن .. والتنظيمات الدفاعية كانت متواضعة ومحدودة وتكاد تكون مخنوقة .. كما كان الجنوب البنغازي مثيرا للقلق ومحاطا بالشكوك والغموض .. وكان الجبل عسيرا وخطيرا .. أما العمليات العسكرية فقد كانت مائعة .. هذا إذا أقررنا بوجودها أصلا .. أأبغي من هذا القول إلغاء كل نشاط سابق لولايتي .. ؟ كلا .. لأنني أدرك إلى أي مدى كان الوضع في سنة : 1926 خطيرا ومؤلما ' ................................ ص: 313
نعم كان الوضع كما يقول خطيرا ومؤلما .. وكنا من طردهم قاب قوسين أو أدني .. فقط لو تظافرت الجهود وصدقت النوايا .. ولم يسلم البعض راية الجهاد خنوعا وطمعا .
هذه - أخي القارئ – إحدى قبائل برقة المجاهدة ..التي شهد المستعمرون لها بالشجاعة والبسالة والإقدام في مواطن البذل والجهاد .. هـذه قبيلة ' المغاربة ' التي شهد ' تروتسي ' بشجاعتها وصلابتها ، حيث قال : ' كان يكفي أن أقف بنفسي مرة أخرى على صلابة المغاربة واستعصائهم ' ........ تروتسي هو الحكم العسكرى الايطالى فى برقة وهذه المقاله مقتابسه من كتابه برقة الخظراء' 1. إخطار مسبق لكل من ينوي التوجه إلى مناطقنا قادما إليها من المناطق الخاضعة للحكومة . 2 .اعتبار العمليات الحربية المتعلقة بهما أعمالا حربية متميزة منفصلة رغم ترابطها . 3. تقديم العمليات ضد المغاربة على العمليات الخاصة باحتلال الواحات ' .................ص : 202 2. إيقاف العدوان في برقة بشطريها وفي الجبل . 3. أن لا يسمح بدخول سوق اجدابيا إلا لمن كان مزودا بإذن من أحد الشيوخ المعينين لهذا الغرض من الأهالي المحددين لدي الحكومة . 4. إحضار تجار إلى إجدابيا ببضائع أكثر وفرة . 5. إعفاء الراغبين في المتاجرة من الضرائب الجمركية . 6. يعمل بهذه الشروط لمدة ثلاثة أشهر ، يتم خلالها عقد اجتماع رسمي للتفاهم ، هذه مطالبنا ونطلب ردا مقابلا للاحتفاظ به كوثيقة يدوية حتى سقوط الموعد المحدد ..... ص: 158 - 159 1. وصل المستعمرتين برقة وطرابلس والربط الدائم والمباشر بينهما . 2. إبعاد التهديدات المتمثلة في هجمات ثوار ( المغاربة ) على حدود ولاية طرابلس الشرقية........................ التسميات: نبذة عن تاريخ قبيلة المغاربة فى الجهاد ضد ايطاليا